تخليداً لذكرى وفاة والدة الطبيب. من هي زهرة عابدين؟
«أم الأطباء».. هكذا لقبتها نقابة الأطباء عام 1990، لمشوارها العظيم والخيري، قالت عنها الصحف المصرية والعالمية، إنّها «نموذج لامرأة قلما تستطيع امرأة أخرى محاكاتها في سيرة حياتها المليئة بأعمال الخير، لأن ما قامت به هذه السيدة في حياتها يقترب من مرتبة الأسطورة»، هي الدكتورة زهيرة عابدين التي يحل اليوم ذكرى وفاتها، حيث رحلت عن عالمنا في مثل هذا اليوم 6 مايو من العام 2002.
ولدت زهيرة عابدين في 17 يونيو 1917، ووهبت حياتها وجهدها ومالها لخدمة المجتمع خلال القرن الماضي، فهي تنتمي لأسرة أرستقراطية محافظة، وكان أبوها عضوًا في البرلمان، وحفظت القرآن الكريم في صغرها والتحقت بإحدى المدارس التبشيرية ثم التحقت بعد ذلك بمدرسة السنية.
تدرجها العلمي
حصلت عابدين على الثانوية عام 1936، وكانت الأولى على مستوى القطر المصري، وفقا للهيئة العامة للاستعلامات، والتحقت بكلية الطب، وكانت أول طبيبة يسمح بتعيينها في هيئة التدريس بالجامعات المصرية بعد عودتها من إنجلترا سنة 1949، بعد نجاحها في اجتياز امتحان الزمالة بالجمعية الطبية بإنجلترا، وهي أول طبيبة عربية تحصل على هذه الشهادة، كما كانت أول طبيبة عربية تحصل على درجة كلية الأطباء الملكية بلندن.
تخصصت الدكتورة زهيرة، في طب الأطفال والروماتيزم، وقدمت الكثير في مجالات الأبحاث والجهود العلمية والخدمات العامة، وتمثل دكتورة زهيرة التي خرجت للحياة العامة من أوسع أبوابها مع حرصها على أولوياتها الأسرية، نموذجًا متوازنًا ومشرفاً للمرأة.
تخصصها في الطب
أنشأت الدكتورة زهيرة عابدين، تخصص قلب الأطفال بعيادات خاصة للتشخيص والمتابعة، حيث لم تكن التخصصات الفرعية الدقيقة في طب الأطفال عرفت بعد، وهي أول من جعل للطب الاجتماعي مفهومًا، فهى رائدة الطب الاجتماعى بمصر، حيث اشتركت مع الأجهزة المختصة في محاربة مرض روماتيزم القلب.
منحتها جامعة القاهرة لقب أستاذ كرسي طب المجتمع، إثر جهودها الطبية والمجتمعية المتمثلة في تأسيس جمعية أصدقاء مرضى روماتيزم القلب عام 1957، ومن خلال هذه الجمعية أنشأت عدة مشروعات، منها: مركز القلب والروماتيزم بالهرم وأسست فروع له ملحقة بالجامعة الإقليمية بأسيوط وطنطا والزقازيق والمنصورة والإسكندرية.
حملتها لمكافحة مرض روماتيزم القلب
ونفذت زهيرة حملة واسعة النطاق على مستوى الجمهورية بالاشتراك مع وزارة الصحة لمكافحة مرض روماتيزم القلب، أسفرت خلال 20 عامًا عن انخفاض نسبة حالات القلب شديدة الوطأة في مصر من أكثر من 50% إلى 14%، ثم إلى 4% ثم إلى 2%، وهو إنجاز نال تقدير العالم أجمع، وعندما وجدت أنّ علاج الأطفال يستلزم وجودهم لفترات طويلة أقامت لهم مدرسة ابتدائية ملحقة بالمستشفى.
وأنشات زهيرة عابدين، معهد صحة الطفل بالدقي، لرعاية الطفولة ووقايتها من أمراض ما قبل سن الرابعة، وعلى رأسها أمراض سوء التغذية والنزلات المعوية والجفاف الشائعة بين الأطفال.
مجمل أبحاثها
وبلغ مجمل أبحاثها 120 بحثا نشرت في مجلات علمية متخصصة عالمية، وكانت الطبيبة الوحيدة عالميا التي حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة أدنبرة عام 1980، وأسست أول كلية لطب البنات في الإمارات عام 1986، ووضعت مناهجها وعكفت على إدارتها لمدة 7 أعوام، وساهمت في إنشاء جمعية الشابات المسلمات بالقاهرة، وتولت رئاستها، وأقامت وقفا لتعليم مسلمي البوسنة.
في العام 1962 أنشأت الطبيبة الراحلة دورًا للطلبة الجامعيين المعوزين والمغتربين وأخرى للطالبات الجامعيات المغتربات من خارج القاهرة، وخصصت وقفًا من مالها الخاص لإعانة الأرامل المعيلات.
ونهضت بجمعية الشابات المسلمات بتكليف من وزيرة الشؤون الاجتماعية، فأقالتها من عثرتها وأسست من خلالها دار الحسين أمام جامعة الأزهر لخدمة أهالي الحي، وكان به دار حضانة ومشغل لتعليم الفتيات بالحي مهن التفصيل والتطريز، وأنشات دارا للطالبات المغتربات وعيادة طبية، وأسست دار ضيافة للمسنات ولرعاية الأرامل، ودار للأطفال الأيتام، كما أسست مدارس الطلائع الإسلامية، وهي باكورة المدارس الإسلامية في مصر، والتي هدفت من خلالها لتقديم مستوى راقٍ من التعليم مع التركيز على الدين والأخلاق.
الدكتوراة الفخرية
نالت زهيرة عابدين، الدكتوراة الفخرية في العلوم الطبية من جامعة أدنبره بإنجلترا عام 1980، وكانت أول مسلمة عربية تمنح جائزة إليزابيث نورجال العالمية للمرأة والخدمات الاجتماعية من ألمانيا عام 1991، كما منحتها مصر وسام الدولة الذهبي تقديرا لمكانتها العلمية، وخدماتها التطوعية للمجتمع، وقدمه لها الرئيس السادات.
أنشات أكاديمية العلوم الإسلامية والاجتماعية بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة، قسما وكرسي أكاديمي لدراسات المرأة باسم العالمة المصرية زهيرة عابدين.
الحياة الأسرية
كانت الدكتورة زهيرة ملهمة ليس فقط من خلال شخصيتها المتميزة ولكن بالدور الأسري الذي لعبه والدها وزوجها في هذا النجاح، حيث قدّمت عمليا صورة مشرقة لنجاح أمرأة عصرية في إطار أسري داعم لها، فلم تجد زهيرة مشكلات مع الأب أو الزوج، تلك المشاكل التي كان يمكن أن تعيق عطائها وتطورها العلمي والإنساني في المجتمع، حيث تزوجت زهيرة من الدكتور محمد عبدالمنعم أبو الفضل، أستاذ التحاليل الطبية وزميلها في الدراسة بكلية الطب، ورزقت بـ4 أبناء حصلوا جميعهم على درجة الدكتوراه في تخصصات مختلفة.