"الصراع مع الاله". هل يفقد الافراد وظائفهم فى المستقبل؟!
ما بين تخوف الإعلاميين من الروبوت الذى يلقى النشرات الإخبارية ويعد التقارير الصحفية، وتخوف عمال خدمة المنازل من الروبوت الذى يقدم جميع خدماتهم، وتخوف المحاسبين من الاعتماد فى تسوية الحسابات على برامج وتقنيات الأتمتة الجديدة، وبين الرواج الكبير فى سوق توظيف مهندسى التكنولوجيا والآلات، وأخصائيى البرمجة والذكاء الاصطناعى، ومتخصصى إدخال البيانات، يشغل العالم تساؤل محورى يدور حول هل ستؤثر التكنولوجيا على سوق العمل إيجابياً وتدفع لظهور نوعيات جديدة من الوظائف، أم يكون تأثيرها السلبى هو الأكبر من خلال إحلال الآلة والتقنيات الجديدة محل البشر.
ونظراً لأهمية الموضوع، أثار صندوق النقد الدولى فى ورقة علمية بعنوان «السباق مع الآلة، وليس ضدها»، تساؤلات حول الثورة الرقمية وإمكانية الاستغناء عن العنصر البشرى، وهل تنخفض الأجور لمستويات غير مسبوقة؟ وأشار الصندوق إلى أنه يوجد تخوف حالياً من أن تؤدى الاكتشافات الكبيرة فى مجال الذكاء الاصطناعى والروبوت لاستبعاد شامل فى الوظائف، وعدم مساواة أكبر فى الدخل.
وأوضح أنه مع بداية الثورة الصناعية الأولى فى عام 1750 ظهرت مجموعة من العمالة تدمر آلات النسيج فى إنجلترا فى عام 1800، بل وفى الوقت المعاصر رأينا سائقى سيارات الأجرة وتحديداً «التاكسى» يعارضون ظهور تطبيقات النقل التشاركى مثل أوبر، بدافع الخوف من فقدان وظائفهم وهو ما يبرز الصراع حتى ولو على مستوى الفكر بين البشر والآلة.
واستنتجت دراسة أخرى نشرتها مجلة Research Gate وأجريت على 25 دولة أوروبية خلال سلسلة زمنية تمتد 13 عاماً، واستخدمت عدد براءات الاختراع الثلاثية كمؤشر للتكنولوجيا لقياس تأثيرها على سوق العمل، عدم وجود تأثير للإبداعات التكنولوجية على معدلات البطالة.
وطبقاً لدراسة صندوق النقد الدولى هناك نوعان من التكنولوجيا، هما تكنولوجيا تمكينية، ترفع من الإنتاجية، وتكنولوجيا استبدالية، وهى التى تستبدل بها العمالة، وتخفض من معدلات الأجور، ولهـا آثـار سلبية على التوظف، ولكـن ما زالت لها آثار إيجابية مثل خلق مهام ووظائف تكميلية جديدة، وزيادة الدقة والاعتمادية، ويصعب التمييز بين أثر كل منهما، حيث إن زيادة الإنتاجية قد تعنى أن المهام تتطلب عمالة أقل لإنجاز نفس القدر المطلوب من العمل. كما أظهرت الدراسة انخفاض التوظيف بالأعمال ذات المهارة المتوسطة خاصة، بينما ارتفعت معدلات التوظيف بالأعمال التى تتطلب مهارات عالية ومنخفضة.
على جانب آخر قالت مؤسسة فورستر العالمية للأبحاث والتحليلات إن هناك مخاطر حقيقية يشكلها تطور الذكاء الاصطناعى على الوظائف التى يشغلها البشر الحالية، حتى إنه بحلول 2030 سيفقد الملايين حول العالم وظائفهم.
ونقل موقع «فورتشن» العالمى عن هوارد سميث، نائب رئيس مجلس الإدارة والمستشار الرئيسى لشركة فوستر، أن المهن كافة ستكون فى مهب الريح. وتطرق «سميث» إلى تأثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى على السوق الأمريكى، وأوضح أن 73% من جميع الوظائف التى تتم مزاولتها داخل المكاتب مثل إدخال البيانات سيمكن تشغيلها تلقائياً بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعى، أى إن هناك 20 مليون وظيفة سيتم إلغاؤها.
وقد يعطى هذا التطور مؤشراً لضرورة إعادة النظر فى سياسات التعليم خاصة فى الدول النامية، ليهتم أكثر بالتخصصات التكنولوجية والتخصصات العملية التى من المتوقع ارتفاع الطلب عليها فى المستقبل.
المعطيات السابقة لا تعنى استبدال الآلات بدلاً من العمالة، أو أن الأجور ستنهار، ولكنها قد تؤشر لوجود متغيرات فى هيكل وظائف المستقبل، لتميل نحو تخصصات معينة على حساب تخصصات أخرى، وهو ما يتطلب أخذ ذلك فى الاعتبار عند وضع سياسات التعليم والتشغيل.
«العمل الدولية» تطالب بحماية المهمشين
وفى السياق ذاته طالبت منظمة العمل الدولية بضرورة حماية الفئات المهمشة ومحدودى الدخل من الآثار السلبية للتكنولوجيا على سوق العمل، وذلك من خلال مساعدتهم على الوصول إلى وظائف جديدة تتناسب مع مستوى مهاراتهم، حتى يتمكنوا من الاحتفاظ بدخولهم فى المستقبل.