"الاثر" تحول الى مخزن للخرده وبقايا الاثاث القديمه
مبنى ضخم من طابقين، للوهلة الأولى تظنه بلا أهمية، بعد أن طغى الإهمال عليه، إلا أن طرازه ونظرات الأسى فى عيون المحيطين به، تدفعك للسؤال عن هويته، لتأتيك إجابتهم تصيبك بالذهول والصدمة: هنا «دار الكسوة» حيث تُجهّز أستار الكعبة المشرفة، فى أبهى حُلّة لأطهر بيت وأعظمه.
فى شارع «الخرنفش» فى حى الجمالية، ظلت تلك الدار الضخمة، هى المكلفة قديماً بصناعة أستار بيت الله الحرام، إلى أن توقفت منذ عشرات السنين وأغلقت الأبواب، وتحولت لاحقاً إلى مخزن تابع لوزارة الأوقاف، حسب شهادات أهالى الحى العتيق.
على بُعد خطوات قليلة من الدار، يجلس حسان عبدالحافظ، داخل متجره الخاص ببيع أكياس الخيش، الذى افتتحه منذ عام 1963، ربما لم يكن الحظ حليفاً للرجل السبعينى فى أن يشاهد الدار وهى تؤدى مهمتها العظيمة فى صناعة «الكسوة»: «مالحقتش أشوفها، بس فضلت أسمع الحكايات عنها والاحتفالات اللى كان بيحضرها الملك بنفسه»، هكذا بدأ «حسان» حديثه لـ«الوطن».
«حسان»: دخلت إلى الدار مرة واحدة قبل أن تحولها «الأوقاف» إلى مخزن
يتذكر الرجل جيداً، تلك المرة التى تملكه فيها الفضول لرؤية دار الكسوة من الداخل، إلا أنه عندما واتته الفرصة ودلف إلى داخلها وجدها عبارة عن «غرف جنب بعض، ماكانش فيها حاجة مميزة أو أثرية، وبعدين تحولت إلى مخزن تابع لوزارة الأوقاف، بتحط فيها دواليب قديمة أو كراسى».
منذ افتتاح الرجل السبعينى محله لم يشهد من قبل زيارة الأجانب أو المصريين لدار الكسوة، خاصة بعدما حاصرتها مظاهر الإهمال «محدش بيجى هنا غير الأوقاف».
«إيمان»: سكنت أمامها تبركاً بها
تبرّكاً بها اختارت إيمان جمال، الإقامة فى المنزل المقابل لـ«الدار» منذ عشرين عاماً، لتطل من شرفة منزلها على «دار الكسوة»، وقتها كانت الأبواب مغلقة، لكن بقيت حكايات الدار الروحانية كنفحات صوفية تتوارثها بين الأجيال.
«لما جيت أنا وجوزى سكنا هنا، كانت مقفولة، فضلت أتبارك بوجودنا جنبها»، تكتفى السيدة الأربعينية، حسب حديثها لـ«الوطن» بالنظر إلى الدار من شرفة منزلها، متذكرة المسجد الصغير الذى كان بداخلها ويؤدى السكان الصلاة فيه إلى أن توقف قبل 15 عاماً.
تُحاوط نظرات «إيمان» الحزينة الدار يومياً بعد ما آلت إليه من إهمال، فيما تأمل أن تتحول يوماً إلى أثر ومزار يأتى الجميع لزيارته «كنت باسمع أنها ممكن تبقى أثر وياريت تتحول لمتحف».
من مدينة المحلة إلى القاهرة رحلة أسبوعية اعتادها باسم محمد، منذ 4 أعوام، قاصداً أحد المحلات المقابلة لدار الكسوة، حيث يعمل فى الذهب الصينى والفضة، يتذكر الرجل الأربعينى حالة الذهول التى انتابته حين سأل لأول مرة عن المبنى العريق المقابل للمحل: «حزنت واتصدمت لما عرفت أن دى دار الكسوة».
منذ صغره كان «باسم» يستمع لحكايات والده عن تولى مصر مهمة صناعة الكسوة، لكنه لم يتخيل أن تتحول الدار إلى تلك الصورة المؤسفة، ويأمل فى تأهيلها وافتتاحها مرة أخرى كمقصد أثرى: «ده مكان إحنا بنتشرف بيه».
باحثة فى العمارة الإسلامية: أتمنى تحويلها إلى متحف
لمحة تاريخية عرضتها الدكتورة رضوى زكى، كبير باحثين بمكتبة الإسكندرية وباحثة فى الحضارة والعمارة الإسلامية، فى حديثها لـ«الوطن»، عن دار كسوة الكعبة، التى يرجع إنشاؤها إلى عهد محمد على عام 1233 هجرياً، بحى الخرنفش فى الجمالية. قالت «رضوى» إن سبب تسمية الشارع بـ«الخرنفش» أنه كان الشارع المخصص لإقامة احتفالات خروج كسوة الكعبة الشريفة من مصر، حيث تولت الدار مهمة صناعتها المقدسة حتى عام 1962.
وعن حالها الآن، أعربت الباحثة الأثرية عن أسفها لما آلت إليه أوضاعها، حيث تواجه الدار مظاهر الإهمال الشديد منذ إغلاقها حتى إنه لا توجد لافتة توضح هويتها، رغم تسجيلها كمبنى أثرى، كما يمكن تحويله إلى متحف يروى تاريخ مصر المشرف فى صناعة أستار بيت الله الحرام.