ما حقيقه رفض بعض الصحابه كتابه وصيه سيدنا النبي؟ الافتاء ترد
ورد إلى دار الإفتاء سؤال حول شبهة رفض بعض الصحابة كتابة وصية سيدنا النبي، وقد أجاب الدكتور شوقي علام، فضيلة المفتي على هذا السؤال في الفتوى التي تحمل رقم «4066»، قائلًا: «اختص الله تعالى رسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم بجملة من الخصائص التي لا يشاركه فيها سابق ولا لاحق؛ فمنها أنَّ الله تعالى قد عصمه من الخطأ فيما أمر بتبليغه للأمة، وفيما أذن الله تعالى له بالاجتهاد والاختيار فيه من شئون الدنيا وأمور الدين معًا؛ وذلك لحكمة بالغة تتجلى في مشروعية الاجتهاد واستمراره إلى يوم الدين، ورفع التَّهَيُّب عن أهل العلم في استعماله والاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول وإرشاد الأمة للعمل بما انتهى إليه المجتهد، خاصة في المسائل الاجتهادية الظنية متى طلب الحق وكان مؤهلًا لذلك محصلًا لشرائطه في الاستنباط والتخريج».
وأضاف «علام»: «إذا ما اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا ثم أرشده الله تعالى إلى شئ آخر فلا يصح اتخاذ هذه المواقف تُكَأَةً لنسبته صلى الله عليه وآله وسلم إلى الخطأ وعدم العصمة، فحَاشَا أن يكون شأنه صلى الله عليه وآله وسلم من قبيل ذلك كبقية البشر، بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يألو جهدًا في الاجتهاد مع أنه ليس مطالبًا شرعًا بإصابة مضمون الحكم باعتبار ما عند الله تعالى؛ حيث إن ذلك ليس مقدورًا للطاقة البشرية، وإنما يراد من الصواب في مثل هذه الأمور صواب العمل الذي يصلح أن تؤسس عليه أفعال العباد وتصرفات المكلفين».
القرآن والسنة
وتابع: «إن هذا يُظهر أن ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أقوالًا وأفعالًا وتقريراتٍ مما يوهم نسبة الخطأ وانتقاص العصمة، إنما هو من قبيل العدول عن الأولى والانتقال من الصواب إلى الأصوب منه فحسب، وفيه تدرج حكيم من التشريع والتربية العملية والتوجيه إلى مكارم الأخلاق لربط الأسباب بالمسببات».
واستكمل مفتي الجمهروية: «ومن ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته طلب أن يكتب للمسلمين كتابًا فيه وصيته لكي لا يضلوا بعده، فامتنع بعض الصحابة ومن وافقهم من آل البيت رضي الله عنهم جميعًا، أن يعطوه الكتاب، وطلبوا من الباقين أن لا يعطوه، وقالوا: نكتفي بكتاب الله تعالى».
رواية الإمام البخاري
وأوضح المفتي أنه قد روى الإمام البخاري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ، فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ»، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا؛ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «قُومُوا»، قَالَ عُبَيْدُ الله: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ».
وفي رواية أخرى عند البخاري -واللفظ له- ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»، فَتَنَازَعُوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: «دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ»، وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ»، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ.