"تغير المناخ". العالم يبحث الابتعاد عن "حافه الهاويه"!
هل عاصرت درجة حرارة مرتفعة كما كان فى الصيف الماضى؟! كم مرة ذهبت للصيد من البحر أو النهر ولم تجد ما تصطاده؟! كم مرة استمعت لشكاوى المزارعين من تدهور إنتاج أراضيهم ورغبتهم فى التحول من الريف للقاهرة الكبرى من أجل «لقمة العيش»؟ كم مرة سمعت عن مجاعات أفريقيا نتيجة الجفاف وغياب سقوط الأمطار؟ كم مرة قرأت عن الأعاصير والفيضانات والبراكين القاتلة فى السنوات الأخيرة؟ هل تتابع حرائق الغابات بين الشهر والآخر؟
الإجابة عن هذه التساؤلات تجسد لك بشكل واضح إشكالية تعانى منها البشرية ككل وهى إشكالية «تغيُّر المناخ» فماذا تعنى هذه الظاهرة؟
يقصد بتغيُّر المناخ ارتفاع درجة حرارة الأرض، نتيجة لتصاعد الغازات الدفيئة التى يتصدرها ثانى أكسيد الكربون، والميثان، وتنتج هذه الغازات عن احتراق الوقود الأحفورى مثل النفط والفحم والغاز فى مختلف الأنشطة الإنتاجية والاستهلاكية مثل الصناعة وعوادم السيارات والتدفئة فى الشتاء. حيث تتصاعد هذه الغازات للغلاف الجوى لتشكل غطاء على الكرة الأرضية يمنع خروج الحرارة منها، وتلك هى ما يطلق عليه ظاهرة «الاحتباس الحرارى» التى تتسبب فى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ويؤدى ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وبالتالى زيادة الفيضانات والأعاصير، وتلوث مياه البحار نتيجة سقوط الأمطار الحامضية وتفاعلات البراكين فيها، الأمر الذى يدفع لتقلص الثروة السمكية الطبيعية نتيجة إصابتها بالأمراض، وارتفاع درجات حرارة المياه بشكل لا يتناسب مع طبيعة الأسماك فتموت أو لا تتكاثر بشكل طبيعى.
كما يقلص الغطاء الجوى من الغازات الدفيئة فرص سقوط الأمطار، كما يحدث حالياً فى إقليم كردستان بالعراق الذى يعانى موجات جفاف شديدة، وتتفاعل الأمطار وقت سقوطها مع الغازات الدفيئة لتنتج «الأمطار الحامضية» التى تدفع لانهيار خصوبة الأرض الزراعية، كما أنها تلوث المسطحات المائية العذبة وتنتقل بالتبعية للإنسان والنبات والحيوان وكل شىء على كوكبنا. وبعد أن وضعنا أيدينا على هذه المشكلة لماذا لا نتوقف عن تصدير الغازات الدفيئة للغلاف الجوى حتى نحمى الطبيعة والأرض ونستخدم بدلاً منها فى الاستهلاك والإنتاج طاقة نظيفة تعتمد على الرياح والشمس وهى غير ملوثة للغلاف الجوى؟
الإجابة هنا تخضع لقاعدة «المصالح والثروات» التى تجنيها الدول الغنية على حساب الدول الفقيرة والنامية، فاحتراق الوقود الأحفورى مثل النفط والغاز والفحم مرتبط بحجم النشاط الاقتصادى، وبالتالى كلما كانت الدولة ذات صناعة ونشاط إنتاجى ضخم كانت أكثر إنتاجاً للغازات الدفيئة.
5 دول فقط تنتج 56% من انبعاثات الغازات الدفيئة على الكوكب.. والدول الأفريقية الأكثر تضرراً
وهذا الأمر تؤكده الإحصائيات الدولية التى تكشف أن نحو 56% من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة من الكرة الأرضية تنتج من 5 دول فقط، وهى بالترتيب: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، الهند، واليابان. بينما تسهم أكثر من 100 دولة نامية وفقيرة فى 3% فقط من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة فى الكرة الأرضية.
هذا من حيث مصدر تلويث الأرض، ومصدر ارتفاع درجة حرارتها، فماذا عن من يتحمل الثمن؟!
يتحمل ثمن هذه الانبعاثات فى المقام الأول الدول الفقيرة والنامية، التى يتركز أغلبها فى قارة أفريقيا، ليؤكد هذا النموذج انهياراً تاماً فى مفهوم العدالة على المستوى الدولى، فالدول الأكثر مساهمة فى رفع درجة حرارة الأرض هى ضمن الأقل تأثراً بأضراره!
ويعود ذلك بشكل رئيسى إلى أن الدول التى تسهم بشكل رئيسى فى رفع درجة حرارة الأرض لديها إمكانيات مادية ضخمة تؤهلها لأن تؤمن غذاء سكانها بشكل صحى، وتحمى مسطحاتها الزراعية، وتوفر مصادر بديلة للمياه العذبة، وتوفر حماية لمناطق الصيد فيها، وتؤمن أنظمة علاج متطورة لمواطنيها.
أما الدول الفقيرة فعلى الرغم من مساهمتها المحدودة فى انبعاثات الغازات الدفيئة، فإنها تعانى، وعلى سبيل المثال تعانى أفريقيا الوسطى وتشاد من مجاعات متصلة نتيجة الجفاف، وانهيار نشاط الصيد فيها، وتعانى الكونغو وأنجولا من حرائق متصلة فى غاباتها، وتفتقد الصومال وجزر القمر جودة الموارد الطبيعية لديها بشكل يهدد الحياة فيها. وفى إطار الغياب الواضح للعدالة بين الدول فى هذا الملف، ماذا فعل العالم؟
اعتاد قادة العالم المتقدم أن ينظموا مؤتمرات وفعاليات دولية سنوية لمناقشة قضية تغيُّر المناخ، وتحديداً منذ عام 1992 عندما انعقد مؤتمر ريو دى جانيرو فى البرازيل، وعلى الرغم من عقد عشرات القمم والمؤتمرات الدولية لمناقشة هذا الملف، فإن المحصلة كانت صفراً!
ويأتى ذلك نتيجة أن من يملك الحلول هى الدول المتقدمة، لأنها ببساطة هى من يملك المال الذى يعتبر مفتاح كل شىء فى الاقتصاد، وهذه الدول عادة ما تلقى وعوداً ولا تلتزم بها، وهو الأمر الذى دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته خلال القمة الـ26 المنعقدة حالياً فى مدينة جلاسكو الأسكتلندية، لانتقاد عدم التزام الدول المتقدمة بتعهداتها فى هذا الملف، والتى كان آخرها تعهد الدول المتقدمة فى قمة باريس عام 2015 بتقديم 100 مليار دولار للدول النامية سنوياً لمساعدتها فى تحسين هياكل إنتاجها وسياساتها الاستهلاكية فيما يتعلق بالوقود الأحفورى، ولكن لم تقدم الدول المتقدمة شيئاً يذكر، واكتفت بتوجيه أموالها لخدمة سكانها فقط.
قادة العالم يناقشون في «جلاسكو» تغيُّر المناخ.. والدول المتقدمة تواصل سياسة «وعود مع وقف التنفيذ»!
وكشف الرئيس السيسى، فى كلمته أمام قادة 200 دولة مشاركة فى القمة، الجهود التى تبذلها جمهورية مصر العربية فى هذا الملف ضمن رؤية التنمية المستدامة «مصر 2030»، وسعيها الدائم للتحول للطاقة النظيفة المعتمدة على الرياح والطاقة الشمسية، وذلك على الرغم من غياب الدعم الدولى فى هذا الملف.
وبعد هذا العرض، متى سيحل الخطر الحقيقى لو استمر العالم فى إهمال قضية المناخ كما هو الوضع حالياً؟
4 درجات زيادة في حرارة الأرض كفيلة باختفاء الإسكندرية وميامي وشنغهاي
ارتفعت درجة حرارة الأرض بنحو 1.1 درجة منذ نهاية القرن الـ19 حتى الآن، وهو معدل زيادة لم تشهده الأرض على مدار 125 ألف عام، وإذا تواصل مستوى الإهمال العالمى الحالى لهذه القضية سترتفع درجة حرارة الأرض بواقع 4.4 درجة حتى نهاية القرن الحالى. وهذا يشير إلى أننا سنواصل معاناتنا من الارتفاع المستمر فى درجات الحرارة فى كل فصل جديد للصيف، وستستمر المسطحات البحرية فى لفظ كائناتها البحرية، وسنعانى مزيداً من التصحر فى أراضينا الزراعية وانخفاض خصوبتها. ويشير قادة العالم للسيناريوهات الأكثر تشاؤماً، التى تشير إلى أنه مع وصول الزيادة فى درجة حرارة الأرض إلى 4 درجات ستختفى مدن بالكامل مثل الإسكندرية، وميامى بالولايات المتحدة، وشنغهاى بالصين، وقد تختفى دول كاملة نتيجة وجودها فى مستوى منخفض عن مستوى سطح البحر مثل هولندا.
فهل سنستمر فى هذه المعاناة أم سيصدق قادة الدول المتقدمة فى وعودهم هذه المرة؟!